كابوس زمباردو
مرسل: 20/11/2018 1:22 pm
في الماضي السحيق، و أيضا في الحاضر بين الشعوب المتخلفة، يُنظر للأحلام على أنها جولة للأرواح في عالم موازٍ أو أنها رسائل تنبئ بالمستقبل (كما في قصة يوسف في القرآن).
أما علميا، كما هو عند الشعوب المتحضرة، فإن الأحلام لا تعدو كونها تعبير العقل الباطن بالصور عن الأسئلة و الدهشات و عرضه للمخاوف و الرغبات.
العقل الباطن غير عقلاني. فمخاوفه لا تعتمد على المُحتمل بل على الممكن. في عالم الواقع، ربما تعيش 100 سنة دون أن يطاردك رجل بمسدس. أما في عالم الأحلام، فإن هذا أمر عادي جدا. و في عالم الواقع، يندر أن تتعرض لحادث سيارة، لكن في عالم الحلم يصبح هذا أمرا عاديا. و عندما نقول "الممكن" فإننا لا نقصد على مستوى الفيزياء بل على مستوى الخيال. ففي عالم الواقع لا يوجد زومبي أو جني يلاحقك لكنك تراه في عالم الحلم. و في عالم الواقع إذا هربت بمسافة كيلومترات عن مطاردِك، فلن تراه فجأة خلفك لكن هذا ما يحدث في عالم الأحلام. و كأن عقلك الباطن مخرج هوليوودي يجرب عليك كل ما يملك من أفكار لصناعة فلم رعب، ما عدا فرق واحد: إنه يأخذ هذه المخاوف من مكان واحد فقط هو خزانة رأسك.
و ماذا يخيف اللاجئ السعودي أكثر من العودة إلى السعودية؟
في فترة طلب اللجوء تكون العودة إلى السعودية أمرا محتملا (في حال رفض طلب اللجوء) لكن لا يهم العقلَ الباطن إن كانت العودة فعلا محتملة أم لا، بل كل ما يهمه أنها ممكنة على مستوى الخيال.
قبل ساعات قليلة رأيت في المنام بأنني في السعودية. في البداية، لم يظهر الحلم كأنه عودة، بل بدا كما لو أنني لم أطلب اللجوء سابقا مطلقا و أعيش في السعودية حياة طبيعية. ثم راجعتُ دائرة حكومية فواجهت التعنت المعتاد في إجراءات معاملتي، فقلت للموظف "إذا لم تنجز معاملتي فسوف أطلب اللجوء في بلد يحفظ لي كرامتي". في المشهد التالي كنت أخرج من المنزل، فأحاط بي إثنان من قتلة خاشقجي. كل واحد منهما أمسك يدا من يديّ. و أخذا يقتاداني مشيا إلى مكان مجهول أثناء قيامهما بإجراء المكالمات الهاتفية مع سعود القحطاني. و كل قليل يظهر شخص آخر من قتلة خاشقجي و يحيطون بي كالفريسة. فتغابيتُ و قلت لهم "ماذا فعلت أنا؟" فأجابوني "ههههه تحسب أننا لا نعلم عن المنتدى؟" في هذه اللحظة تبدلت القصة و صرت أنا اللاجئ الذي أنشأ هذا المنتدى، ثم عاد إلى السعودية دون أن يعلم لماذا عاد. كانت اللحظات عصيبة و أنا أفكر "هل أتركهم يقتلونني؟ أم أعطيهم كلمة السر؟" (لاحظ هنا أن العقل الباطن يختبر كل الاحتمالات الممكنة على مستوى الخيال حتى لو كانت لن تحدث في أرض الواقع. فكيف أستمر بإدارة المنتدى لو عدت للسعودية؟!). ثم رأيت نفسي في سيارة مع أهلي و لا يوجد قائد للسيارة. فانتقلت إلى مقعد قائد السيارة و دست البنزين بأقصى سرعة و اقتربت من دوار لكن بسبب استعجالي للهروب من قتلة خاشقجي لم أخفف السرعة فكدت أصطدم بالدوار و اضطررت للف عجلة القيادة و استدارت بنا السيارة 180 درجة. طلب مني أخي أن يمسك هو بعجلة القيادة، لكني رفضت و واصلت الهروب في الشوارع التي بدت كأنها زلقة و القيادة فيها خطرة. و انتهى الحلم على هذا المشهد.
نشرتْ دانة المعيوف تغريدة عن هذه النوع من الأحلام، فلقيتْ تجاوبا كبيرا من اللاجئات السعوديات اللاتي عشن نفس التجربة. و أنا باعتباري طبيب نفسي لا أستطيع التعامل مع هكذا ظاهرة دون أن أمنحها اسما، فاخترت اسم "زمباردو" نسبةً للاجئة أخرى كانت تستعمل هذا الاسم المستعار. و قد استأذنتُها في استعمال الاسم.
كابوس زمباردو هو أن يحلم اللاجئ أو طالب اللجوء السعودي بأنه قد عاد إلى السعودية فتم اعتقاله أو حبسه أو ضربه أو التحكم بحياته، أو يشعر بالخشية من تعرضه الوشيك لهذه الانتهاكات. ثم يصحو اللاجئ أو طالب اللجوء من النوم ليكتشف بأنه ليس في السعودية، فيشعر براحة عميقة.
كابوس زبماردو يصبح مخيفا أكثر في بدايات طلب اللجوء و خصوصا قبل صدور الموافقة على اللجوء. و يتكرر حدوثه أكثر في بدايات الهروب من السعودية ثم يقل التكرار.
و لا أعلم إن كان كابوس زمباردو يمكن أن يتوقف بدون زوال نظام الطغيان الذي يحكم السعودية. فطالما هذا النظام قائم، فإن العقل الباطن سيظل يجرب علينا عرض هذه المخاوف في مشهد سينمائي.
أحد الطرق لمقاومة الكوابيس هي مشاركة التجربة مع الآخرين و النظر للكابوس من زاويته اللطيفة: إنه قصة مسلية على كل حال.
ما هي تجاربك مع كابوس زمباردو؟ اكتب قصة حلمك هنا.
أما علميا، كما هو عند الشعوب المتحضرة، فإن الأحلام لا تعدو كونها تعبير العقل الباطن بالصور عن الأسئلة و الدهشات و عرضه للمخاوف و الرغبات.
العقل الباطن غير عقلاني. فمخاوفه لا تعتمد على المُحتمل بل على الممكن. في عالم الواقع، ربما تعيش 100 سنة دون أن يطاردك رجل بمسدس. أما في عالم الأحلام، فإن هذا أمر عادي جدا. و في عالم الواقع، يندر أن تتعرض لحادث سيارة، لكن في عالم الحلم يصبح هذا أمرا عاديا. و عندما نقول "الممكن" فإننا لا نقصد على مستوى الفيزياء بل على مستوى الخيال. ففي عالم الواقع لا يوجد زومبي أو جني يلاحقك لكنك تراه في عالم الحلم. و في عالم الواقع إذا هربت بمسافة كيلومترات عن مطاردِك، فلن تراه فجأة خلفك لكن هذا ما يحدث في عالم الأحلام. و كأن عقلك الباطن مخرج هوليوودي يجرب عليك كل ما يملك من أفكار لصناعة فلم رعب، ما عدا فرق واحد: إنه يأخذ هذه المخاوف من مكان واحد فقط هو خزانة رأسك.
و ماذا يخيف اللاجئ السعودي أكثر من العودة إلى السعودية؟
في فترة طلب اللجوء تكون العودة إلى السعودية أمرا محتملا (في حال رفض طلب اللجوء) لكن لا يهم العقلَ الباطن إن كانت العودة فعلا محتملة أم لا، بل كل ما يهمه أنها ممكنة على مستوى الخيال.
قبل ساعات قليلة رأيت في المنام بأنني في السعودية. في البداية، لم يظهر الحلم كأنه عودة، بل بدا كما لو أنني لم أطلب اللجوء سابقا مطلقا و أعيش في السعودية حياة طبيعية. ثم راجعتُ دائرة حكومية فواجهت التعنت المعتاد في إجراءات معاملتي، فقلت للموظف "إذا لم تنجز معاملتي فسوف أطلب اللجوء في بلد يحفظ لي كرامتي". في المشهد التالي كنت أخرج من المنزل، فأحاط بي إثنان من قتلة خاشقجي. كل واحد منهما أمسك يدا من يديّ. و أخذا يقتاداني مشيا إلى مكان مجهول أثناء قيامهما بإجراء المكالمات الهاتفية مع سعود القحطاني. و كل قليل يظهر شخص آخر من قتلة خاشقجي و يحيطون بي كالفريسة. فتغابيتُ و قلت لهم "ماذا فعلت أنا؟" فأجابوني "ههههه تحسب أننا لا نعلم عن المنتدى؟" في هذه اللحظة تبدلت القصة و صرت أنا اللاجئ الذي أنشأ هذا المنتدى، ثم عاد إلى السعودية دون أن يعلم لماذا عاد. كانت اللحظات عصيبة و أنا أفكر "هل أتركهم يقتلونني؟ أم أعطيهم كلمة السر؟" (لاحظ هنا أن العقل الباطن يختبر كل الاحتمالات الممكنة على مستوى الخيال حتى لو كانت لن تحدث في أرض الواقع. فكيف أستمر بإدارة المنتدى لو عدت للسعودية؟!). ثم رأيت نفسي في سيارة مع أهلي و لا يوجد قائد للسيارة. فانتقلت إلى مقعد قائد السيارة و دست البنزين بأقصى سرعة و اقتربت من دوار لكن بسبب استعجالي للهروب من قتلة خاشقجي لم أخفف السرعة فكدت أصطدم بالدوار و اضطررت للف عجلة القيادة و استدارت بنا السيارة 180 درجة. طلب مني أخي أن يمسك هو بعجلة القيادة، لكني رفضت و واصلت الهروب في الشوارع التي بدت كأنها زلقة و القيادة فيها خطرة. و انتهى الحلم على هذا المشهد.
نشرتْ دانة المعيوف تغريدة عن هذه النوع من الأحلام، فلقيتْ تجاوبا كبيرا من اللاجئات السعوديات اللاتي عشن نفس التجربة. و أنا باعتباري طبيب نفسي لا أستطيع التعامل مع هكذا ظاهرة دون أن أمنحها اسما، فاخترت اسم "زمباردو" نسبةً للاجئة أخرى كانت تستعمل هذا الاسم المستعار. و قد استأذنتُها في استعمال الاسم.
كابوس زمباردو هو أن يحلم اللاجئ أو طالب اللجوء السعودي بأنه قد عاد إلى السعودية فتم اعتقاله أو حبسه أو ضربه أو التحكم بحياته، أو يشعر بالخشية من تعرضه الوشيك لهذه الانتهاكات. ثم يصحو اللاجئ أو طالب اللجوء من النوم ليكتشف بأنه ليس في السعودية، فيشعر براحة عميقة.
كابوس زبماردو يصبح مخيفا أكثر في بدايات طلب اللجوء و خصوصا قبل صدور الموافقة على اللجوء. و يتكرر حدوثه أكثر في بدايات الهروب من السعودية ثم يقل التكرار.
و لا أعلم إن كان كابوس زمباردو يمكن أن يتوقف بدون زوال نظام الطغيان الذي يحكم السعودية. فطالما هذا النظام قائم، فإن العقل الباطن سيظل يجرب علينا عرض هذه المخاوف في مشهد سينمائي.
أحد الطرق لمقاومة الكوابيس هي مشاركة التجربة مع الآخرين و النظر للكابوس من زاويته اللطيفة: إنه قصة مسلية على كل حال.
ما هي تجاربك مع كابوس زمباردو؟ اكتب قصة حلمك هنا.